استضاف مجلس الشورى في يونيو الماضي معالي الدكتور وزير الإسكان والتخطيط العمراني الذي القى بياناً غنيا بالمؤشرات الكمية المبنية على حقائق من الواقع الميداني خصوصا الدراسة المتعلقة بـ (واقع توزيع الاراضي) الذي قامت الوزارة بدراسته وتحليل معطياته ثم نقله الوزير بكل شفافية الى قبة مجلس الشورى بهدف توضيح الأسس الموضوعية التي بنيت عليها عدد من سياسات الوزارة الجديدة ومن بينها ما يتعلق بمنح الاراضي الذي صدر بشأنه “قانون الإسكان” الجديد.
دارت نقاشات ساخنه وطرح أصحاب السعادة أعضاء مجلس الشورى وجهات نظرهم ودافعوا عن حقوق المواطنين المنتظرين في قائمة انتظار الدور للحصول علي أرض، وعبروا عن مواقفهم من قانون الإسكان الجديد واجحافه لقائمة الانتظار تلك ، وطرح معالي الدكتور حقيقة مهمة هي عبثية “توزيع الاراضي ” واتسامها بـ “عدم الاستدامة” ووصفت دراسة الوزارة حول واقع تعمير المخططات بانه تعمير “مبعثر” وان نسبة التعمير للأراضي الموزعة خلال عقدين من الزمان نسبة متدنية لا تجاوز 48% وهذه النسبة ليست مرضية للوزارة كونها مسؤولة عن إنتاج الاراضي ومهتمة بمستوى تعمير المخططات .
هذا المقال يتداخل مع هذا المؤشر باستدعاء ما كشف عنه التعداد العام للسكان والمساكن لعام 2020 ومدى اتفاقه مع ما نقله الوزير عن واقع التعمير من أجل الدفاع عن مبدأ “عدم الاستدامة في توزيع الاراضي ” فقد كشفت مؤشرات التعداد نموا في جميع انواع الوحدات بشكل عام بلغ نسبة 79% مقارنة بتعداد 2010 (فمن 731الف وحده الى مليون و 312)كما أن التغير في عدد الوحدات السكنية فقط لامس سقف 76% (فمن 58الف وحده سكنية في تعداد 2010، إلى 969 الف وحده سكنية في تعداد 2020) فهذا النمو الكبير في حجم الوحدات بكل أنواعها ينتمي ضمنيا وواقعيا الى مؤشر تعمير الاراضي وأسهم في إنتاج وحدات سكنية وغير سكنية ( بيوت فيلل شقق عمارات ) في معظم المخططات السكنية في سلطنة عمان ، وهو ما يدل على أن حركة التعمير وتطوير الاراضي السكنية منها على وجه الخصوص تسير بخطى متسارعة مدعومة بمناخ التسهيلات والسلاسة في القوانين والأنظمة المتعلقة بإجراءات البناء بكافة المؤسسات الخدمية ،وكذلك توفر مصادر التمويل، ولو لم تكن هذه التسهيلات موجودة لكان انتاج السكن او الوحدات بطيئا وهي على العكس رغم موجة الغلاء التي اجتاحت أسواق منتجات مواد البناء الأساسية والثانوية.
السؤال الذي يطرح نفسه هل الاراضي السكنية هي الأكثر مساحة بين أنواع الاراضي الأخرى؟ وهل تحليل خرائط المخططات ركز فقط على الاراضي السكنية وحيّد الاراضي الزراعية والحكومية وغيرها من الاراضي؟ علما بان المخططات هي مزيج من الاراضي متنوعة الاستخدامات ولكن كل استخدام له نسبة من المساحة الاجمالية ، وعلما أيضا أن التعداد العام للسكان والمساكن كشف بأن الاراضي السكنية ليست هي الأكبر مساحة مقارنة بالاراضي الحكومية أو الزراعية بالرغم من ارتفاعها عدديا ، فالمساحة التي تغطيها الاراضي السكنية هي فقط 13.4%من مساحة الاراضي الاجمالية بالسلطنة بالرغم من انها تشكل 81.2% من اجمال عدد الاراضي ، في حين أن الأراضي الحكومية التي نسبتها لا تجاوز 2.4% نسبة تغطيتها ترتفع الى48% من المساحة، تليها الاراضي الزراعية التي تشكل 7.4% إلا أنها تغطي 30.2%من المساحة الاراضي في السلطنة،
فهل النسبة المعمرة من تلك الاراضي السكنية أقل من النصف؟ وكيف يتوافق ذلك مع نسبة تملك المواطنين لمساكنهم التي جاوزت 91% وتعتبر من بين اعلى النسب عالميا (وسنقف عند هذه النسبة في فقرات المقال).
في الحقيقة ان الدراسة المذكورة لم تتطرق الى أساب عدم التعمير، ويجب ان تلم الدراسة المنهجية كل عناصر المشكلة، ولو اردنا التطرق ههنا الى بعض تلك الأسباب وبعضها معلوم لدى القارئ الكريم ، فان الاراضي الموزعة والتي لم تعمر إما أنها منحت لمواطنين مسبوقي المنح فأرادوا الاحتفاظ بها وآثروا عدم تعميرها لاكتفائهم سكنياً، وإما ان تلك الاراضي دخلت في دورة السوق كسلعه وتم تداولها بين أكثر من مستفيد وان البعض امتلكوا من خلال السوق عدد من الاراضي بل ان هناك من يملك اكثر من قطعه او قطعتين او ثلاث (وذلك مما كشفته بالتفصيل نتائج تعداد2020 ) واحتفظوا بها كأصل قابل للنمو كلما تقادم الزمن ،وستظل مثل هذه الأراضي في بعض المخططات قيد التداول خاضعة لظروف العرض والطلب السوقية، الى ان تصل الى من يمتلكها بهدف التعمير ، وثمة ما لا يمكن عمليا تحققه وهو تحديد زمن موحد لتعمير جميع المخططات، أو الوصول الى مرحلة أن” ينعدم” وجود الأرض “كسلعه”.
يقودنا ذلك الى حقيقة وجود أزمة سكن من عدمه ؟ فهل هذه الازمة موجودة على نحو واسع بين الأسر العمانية؟ للإجابة عن ذلك فقد كشفت بيانات للسكان والمساكن (2020) أن عدد الاسر العمانية يبلغ تقريبا 407 الف أسرة وان 91% وفقا لمسح نفقات الاسرة ( 2019/2019)منها تملك منزلا مستقلا أي لا توجد أزمة سكن تواجه الاسر العمانية ، فهناك فقط 9% من تلك الاسر تحتاج الى توفير سكن وهي ستنقسم الى ثلاث فئات فئة فقط تستحق ارض فقط وستمول من خلال بنك الإسكان العماني او البنوك التجارية ، وفئه ثانية تستحق الدعم الحكومي بواسطة برامج الحكومة الاسكانية وهذه اعدادها معلومة في قواعد بيانات وزارة الإسكان والتخطيط العمراني ، وفئه ثالثه تنطبق عليها شروط قانون الإسكان الجديد سيوجهون الى المدن الجديدة التي اعلن عنها معالي الدكتور الوزير في عدد من الولايات وما سيعلن عنه في المستقبل ، وهكذا فمشكلة أزمة السكن ليست ظاهرة شائعه أو معضلة “وطنية” بما أنها فقط ل حول 9% فقط من الأسر العمانية كما أنه من السهولة بمكان وضع خطة مستقبلية للقطاع وتحديد مستهدفاته المستقبلية من توفير السكن ، فمن خلال الرجوع الى معدل النمو الحالي في عدد الاسر العمانية وهو: 55% ، فقد كان عددها في تعداد 2010 ( 260120 )اسرة وتضاعف الى 406303 أسرة في تعداد 2020 ، ولو بقيت هذه الوتيرة في النمو “ثابته” فالأمر يعني إنتاج ما يقارب 250 الف وحده كل عشر سنوات أي بمعدل 25 الف وحدة سنويا.
ومع ذلك يقف هذا المقال متأملا نسبة تملك الاسر العمانية لمساكنها وهي نسبة ذات أهمية كبيرة يتوقف عليها بناء السياسيات المستقبلية لقطاع الإسكان ، فكما ذكرنا أعلاه ان تلك النسبة التي بلغت 91% في ضوء مؤشرات مسح نفقات دخل الاسرة 2018/2019 وأكد عليها معالي الدكتور وزيز الإسكان والتخطيط العمراني في بيانه ، فقد حاولت التأكد من دقة هذه النسبة بالاستعانة بنتائج التعداد الأخير ، فإذا ما علمنا ان المساكن في نظام السجل العقاري بالسلطنة لا تسجل في الأساس باسم الاسرة وانما تسجل بالاسم الشخصي للمالك فموضوع حساب نسبة التملك يصبح معقدا ولكن وفي ضوء عدد الاسر العمانية البالغ ) 406303 )أسرة وعدد والوحدات السكنية البالغة ) 639863) فإن نسبة من يمتلك مسكنه من الاسر العمانية حسب هذه المعطيات هو فقط 63% وبين النسبتين بون كبير، ولا بد أن يحلل ويدرس.
ويوصي هذا المقال بأن يقوم المركز الوطني للإحصاء بتنفيذ “تعداد وطني مخصص للمساكن” متضمنا تفصيلا عن نوعية تلك المساكن (شقه بيت عربي فيلا ) وتحديد مصدر تمويل المسكن ( مساعدة حكومية تمويل خاص ) ،حالة السكن ( مسلح عير مسلح ) ، المساكن التي تشغلها اسر عمانية ،المساكن التي تشغلها أسر غير عمانية ،ونسبة المواطنين المتملكين على مستوى كل نوع وذلك من أجل إعطاء صناع القرار بيانا واضحا عن نسبة التملك على مستوى كل نوع ونسبة التملك الاجمالية ، حيث لا تعدا لنسبة المعلنة الحالية دقيقة ولا يمكن الاعتماد عليها في صناعة السياسات الاسكانية والخطط المستقبلية لهذا القطاع.
وكذلك يوصي المقال بأن تجرى وزارة الإسكان والتخطيط العمراني “مسحاً شاملا لأراضي السلطنة” بالاستعانة ببيوت خبرة لتحديد المخزون الحالي والمستقبلي من الاراضي السكنية،واتجاهات التوسع والتمدد العمراني مع زيادة الطلب على السكن والأرض، ومن ثم تطبيق السياسة الأمثل لإدارة هذا المخزون بما يحقق استدامته ويحفظ حق الأجيال فيه، ويتوائم مع تطلعات أبناء عمان الاوفياء وولائهم الصادق للوطن وجلالة السلطان.