مياء بنت حمد بن صالح السالمية تكتب في صحيفة رصد: “أثر الارتدادات التعليمية على نفسية المتعلم في البيئة المدرسية”

  • بقلم: مياء بنت حمد بن صالح السالمية

تعتبر العملية التعليمية هدفاً مهماً حيث أنها ترقى بالإنسان ليواكب متطلبات الحياة في مختلف النواحي، وأن عوائدها إيجابية في تشكيل نمط سوي للمجتمع، وكما أنها مرجوة من الجميع.

فكما يبدو لنا بأن المنظومة التعليمية المعدة للمتعلمين في الحلقة الأولى مستوفية المعنى الحقيقي لإعدادهم إعداداً تربوياً صحيحاً.

وأننا مما نجده من الأساليب التربوية والنفسية ضرورة ملحة؛ كونها تعمل على تهيئة التكيّف النفسي لدى المتعلمين في البيئة المدرسية وتحديداً فيما يتعلق بإخفاقات تحصيلية ونفسية مؤسفة في ذات الوقت، وبلا شك أنها تعمل على صعوبة تأقلم المتعلمين في البيئة المدرسية والتي تعتبر كظاهرة معينة لاضطراب تعليمي في تكييف شخصية المتعلمين مع الظروف الدراسية.

ظاهرة الارتداد التعليمي!
في ضوء ذلك ينبغي علينا تعيين ظاهرة الارتداد التعليمي في صلب موضوعنا الحالي؛ التي تشير أهميتها إلى انخفاض المستوى التعليمي في اكتساب المهارات الأساسية والتي تكمن في عمق المعيار التعليمي المستهدف، وتُعَدُّ أنها عائقة في سير العملية التعليمية بشكل صحيح، وكذلك تأتي بنواتج غير مقبولة في تشكيل نمط المتعلمين ذا كِيان مستقل ومتكامل في كافة الجوانب المعرفية والشخصية، واستمرار تأثيراتها على نفسية المتعلمين حتى إلى المدى الطويل ومن هنا يستصعب اجتيازها بسهولة؛ بسبب التراكمات السلبية اتجاه ذاته التي تعود على الشك في قدراته العلمية والعملية ، ويمكن أن تؤثر على مستقبله الحياتي في صياغة نمطه المتكامل والسوي، وكذلك تؤثر عليه في كافة النواحي المختلفة.

ومن هذا المحور يتبين لنا أن الارتداد التعليمي هو التأرجح في اكتساب المهارات الأساسية والتراجع عنها بعد حين أثناء تعرضه إلى عملية الانحباط النفسي من قِبَل الوالدين أو من البيئة المدرسية.

علاقة الارتدادات التعليمية بالعمليات العقلية
واستناداً إلى ما سبق بأن التأرجح تدور على حدة نوع من الاهتزازات والتذبذبات في عملية هبوط وارتفاع من حالة الاستقبالية للمعلومات التي تكمن في نشاطه العقلي للوظائف الإدراكية “وأن العمليات العقلية تعرف على انها الأحداث التي تدور داخل الدماغ منذ لحظة دخول المثير الى لحظة اتخاذ القرار بالإجابة عن ذلك المثير”(سيكولوجية العمليات العقلية المعرفية، أ. د. ماهر محمد عواد العامري) كما أنها تعد من أهم الأسس في إدارة العمليات العقلية اثناء تحليل المثير الخارجي على شكل سلوك مستجيب والذي يبرز نوع العوامل النفسية التي ساهمت في صياغة سلوكه.

المهارات الأساسية
وبهذا فإنه بات من الأهمية معرفة نوع المهارات الأساسية التي ينبغي على المتعلمين اكتسابها لكي يكونوا قادرين على التفاعل مع المجتمع المحيط بهم لتحقيق تكيف نفسي مع المستجدات والتغيرات الاجتماعية كافة، التي تتسم بالتطور المتسارع ومن الممكن أن تمكنهم من الإسهام في تمكين النجاح والإنتاج في الحياة المستقبلية، وفيما تم ذكره بأن المهارات الأساسية التي تحتوي على عدة العناصر أهمها:

• قراءة الرموز وهي التي يتلقاها المتعلم ويفسرها وفهم معناها وهنا اقصد الأحرف التي تأتي باللغتين العربية والانجليزية.
• وكذلك الكتابة باللغتين العربية والانجليزية بحيث أنه يستطيع كتابة التعبير عن ما يدور في مشاعره.
• والمهارات الرياضية بحيث يتكون لديه القدرة على اجراء العمليات الحسابية بشكل دقيق وفي الوقت المناسب.

أثر الضغوطات النفسية على المتعلم
وفي نفس الصدد نرى من الأهمية تكوين المرونة والتكيف النفسي لدى المتعلمين حتى يتسنى لهم مجابهة الحياة بكل ما لديهم من القدرات في تعديل سلوكهم والاتجاهات استجابة للظروف المحيطة بهم، التي يمكن أن تسهم من تقليل الارتداد التعليمي لديهم.

وعلى ما يبدو أن الضغوطات النفسية التي يتعرض لها المتعلم في البيئة المدرسية تتشكل من المثيرات الخارجية الناتجة عن قلة الخبرة في التعامل مع المحيط المدرسي والتي تسبب الاجهاد النفسي أثناء تحليل الموقف، وكما تتشكل الضغوطات النفسية في البيئة المدرسية من عدة عوامل منها:

• المثير الخارجي.
• والاستجابة له.
وفي ذات السياق يتفاعل الفرد من خلال استجابته للمثير الخارجي وهو الذي يجعله في حالة التوتر والقلق والتأثير السلبي على قدراته؛ بحيث أنه لا يستطيع أن يُكوِّن الثبات الانفعالي حتى يحقق على أثره التكامل والتوازن النفسي، ونتيجة لذلك تستنزف الاستجابات الخاطئة في تقييم المثير من طاقة المتعلمين والتي تُعَدُّ من أقوى الاسهامات الأساسية في تدني القبول المعرفي، كما أنها تؤثر على سير العملية التعليمية؛ مسببةً الاخفاقات في تحقيق الأهداف التعليمية الموضوعة في الخطة الدراسية للمتعلمين.

بؤرة الارتداد التعليمي…
ومما سبق ذكره بأن عملية ارتدادية تعليمية التي تعمل على بؤرة الانحباط النفسي والتراجع المعرفي لدى المتعلمين ما بين المعلم والمتعلمين في ذات الموقف، وهذا مما يشير بأن العمليات الارتدادية تقوم على نمطين في الموقف التعليمي:
• الارتداد النفسي
• والارتداد المعرفي

حدوث عملية ارتدادية
وإشارة إلى ذلك هناك عدة عمليات ارتدادية تحدث أثناء الموقف التعليمي، وتبدأ تأثيراتها في بداية العام الدراسي حيث أن المتعلم يواجه الموقف الضاغط في المدرسة بسبب قلة المحصول المعرفي والإدارة الذاتية لتخطي العقبات التي تحيط به، والذي يسبب له التوتر والخوف بحكم اختلاف البيئة المدرسية خلافاً عن البيئة المنزلية، وقد تصاحبه بعض ردود أفعال المحيطين له في حالة لم يتوافق نفسياً مع البيئة المدرسية.

الملامح التربوية لدى الأسرة
ومن الملاحظ أن الملامح التربوية الأسرية الخاطئة للمتعلم التي تعود على عدة طرق ومنها:

• إثارة الأفكار السلبية اتجاه البيئة المدرسية، أثناء اقتراب الموعد الدراسي.
• وإثارة الخوف من النظام المدرسي من خلال تهويل القوانين والضوابط والأنظمة المدرسية.

الموقف الارتدادي
وفي هذا الموقف الارتدادي ينظر المتعلم إلى المعلمين بأنهم استبداديون وقاسيون وعلى أثره يشعر بالرهبة ورفض حضوره إلى المدرسة لتلقي التعلم، وأنهم ينظرون إلى النظام المدرسي لا يأخذ بعين الاعتبار بحسب الفروق الفردية وفي هذه الحالة يجعلهم في عمق التوتر وانخفاض قبولهم لعملية التعلم وبالطبع أنها تزداد أكثر تعقيداً للمشكلة الارتدادية التعليمية ، وعلى أثره أصبحت هواجس المتعلم هو الخوف من المدرسة وتدني الرغبة للذهاب إليها وترسيخ الفكرة السلبية عن نظامها وبالتالي تسهم تلك الأفكار السلبية في تدني المكون المعرفي لديهم لأنها تدعم الفشل الدراسي في العملية التعليمية، وعلى أثره تظهر ارتدادية سلوكية على شكل فعل المتعلم منعكسة بصيغة انتهاكات سلوكية بشكل منهجية ومقصودة ومؤثرة على حركة العملية التعليمية وكما أنها تسهم في القصور التعلمية والتخلف عن اكتساب المعرفة وتلك ارتدادية معرفية ألا وهو التراجع المعرفي عن المكتسب الأساسي من خلال المثير الخارجي.

الثبات الذاتي لدى المتعلم
وها نحن نعلم جيداً بأنهم ينتزعون عنه الثبات الذاتي إتجاه المواقف التعليمية المختلفة، فتظهر على شكل سلوك التوتر والخوف وعندما يطلب منهم المعلم المشاركة أو التعبير عن ما يدور في الموقف التعليمي لم تكن لديهم إمكانية المبادرة أو الاستقلالية فإن هذه المظاهر التي تضع المتعلم في ظروف تعليمية صعبة نتيجة لذلك، فما أنه يشعر بعدم الكفاءة في اجتياز المواقف التعليمية المختلفة، ومن خلال ذلك نستطيع أن نصفه بأنه لم يتوافق نفسياً مع البيئة المدرسية ومتطلباتها.

مظاهر المشكلات التعليمية
فعلى أثر ذلك تظهر لدينا المشكلات التعليمية مثل تدني المستوى التحصيلي وظهور الحالات النفسية لدى المتعلمين وكلها تسهم في الاخفاقات التعليمية وتتراجع لديهم النوازع الإيجابية إلى عملية انسحابية وارتدادية بحيث ترتد على أداء المعلم في تنفيذه للمهمات الأساسية؛ ومن هنا يبدأ دور المعلم بالأخذ من طاقته لإيجاد الأنشطة التعليمية التي يمكن أن ترفع من المستوى التحصيلي المنخفض لدى المتعلمين وهذا يأتي في أحلك الظروف والضغوطات المهنية في الوقت الذي يتطلب منه الثبات الانفعالي للتعامل مع المواقف المختلفة في المحيط المدرسي.

وكما يبدو أن الثبات الانفعالي يعتمد على نمط الشخصية ذات الصلابة للحفاظ على التوازن العاطفي في أصعب الظروف بهدف البقاء منتجاً طوال الوقت؛ وبسبب الإجهاد اليومي الذي يتعرض له المعلم فيبقى غير رابط الجأش بحكم الضغط الكبير الذي يصاحبه مثل التذمر من قِبَل الأولياء الأمور له أو من المحيط المدرسي ولكن عندما يزاح الثبات فإن من الممكن أن يؤثر على المكنونات النفسية لدى المتعلمين فتنهار العلاقة التي بينهم والتي من المهم أن يطورها المعلم مع المتعلمين؛ ذلك مسبباً ارتداداً تحصيلياً مدوياً وعلى أثره تنهار المكتسبات الأساسية أثناء تلقيهم تلك المهارات والتي ينبغي اكتسابها في المدة الزمنية المحددة.

وحين تتضح الرؤية بأن تدني المستوى التحصيلي ناتج عن إحدى الأسباب ألا وهي الضغوطات النفسية التي يتكابدها المتعلم منذ بداية العام الدراسي وأن موضوع تدني المستوى التحصيلي للمتعلمين موضوع حساس ودقيق بما يتعلق بمستقبلهم وحياتهم الاجتماعية والمهنية واستقرارهم النفسي وكذلك إخلاءهم من التكوين الاضطراب الشخصي في كافة النواحي والجوانب من مراحله العمرية المتقدمة، ومما يستوجب النظرة الثاقبة لإزاحة العوامل السلبية من خلال نظرتنا الموضوعية لهذه المشكلة بعين الاعتبار في جوانبها والتي تتطلب الكثير من التمكين للتغلب عليها ووضع الحلول لها.

معالم التربوية الصحيحة
وأن من معالم التربوية الصحيحة تكمن في تكوين القدرة على مجابهة الحياة من خلال التوجية المستمر على حسن أختيار الأساليب الصحيحة للتعامل مع الموقف الضاغط، وكما يبدو لنا أن هناك فروق فردية في مواجهة المواقف التعليمية المختلفة فالبعض منهم لديه مكنون شخصيّ قويّ بحيث أنه يستطيع مجابهة الظروف والمشتتات التي يمكن أن تعزز من مكانته السابقة وتدفعه إلى اكتساب المعرفة تحت الضغوطات الهائلة التي يواجهها إشارة إلى وصوله للمستوى الناضج فكرياً، ويتطلب منه فهم وادراك من مستوى وحجم المتطلبات التعليمية متحملاً كافة المسؤولية ومعتمداً على نفسه.

وكما يشير بأن لديه المرونة النفسية عالية للتغلب على المعيقات والصعوبات التي تواجهه فما ينبغي أن يكوّن شخصية المتعلم في المدرسة من خلال الأساليب الصحيحة في تصويبه ورفع من جدار الأمان النفسي له وإشارة إلى ذلك نجد ارتدادية إيجابية للمعلم أو للمحيط المدرسي وكذلك للوالدين ومن حيث أنها تساهم في سرعة إنجاز الأهداف المرسومة لتحقيقها في نمط متماسك لتأسيس نظام التربوي الناجح، والتي تضع كفتي الحقوق والواجبات في مكانها الصحيح بدون أي مشتتات التي يمكن أن تعيقه عن مساره التربوي الصحيح.

المعلم المبدع
وهنا يمكن أن يتملك المعلم مَلَكية الإبداعية التي من شأنها أن ترفع من نجاح العملية التعليمية بشكل سويُّ وسريع من خلال تطبيق استراتيجيات التعلم الذاتي والنشطة التي تمكن المتعلم من الاعتماد على نفسه في اكتساب المهارات والمعارف وتنمية المهارات اللازمة للمتعلمين والحصول عليها، وتنمية شخصية المتعلم من خلال تربيته على أسس تقدير ذاته بما يتواكب مع الخطة الدراسية والمتغيرات الناتجة عن استحداثات تربوية جديدة في المنظومة التعليمية، وأن المعلم المبدع يمكنه إثارة اهتمام المتعلمين على حب الاستطلاع والاستقصاء والبحث وكيفية فنون التعلم والنقد البناء؛ فعليه أن يطرح المشكلة طالباً منهم البحث والتقصي لإثارة تفكيرهم نحو الصواب وفي هذه الاثناء يستوجب على المعلم استخدام عدة استراتيجيات للتعلم منها التعليم باستخدام الواقع الافتراضي أو المعزز بهدف تعزيز العملية التعليمية حتى يرفع من دوافعهم بشكل إيجابياً وقبولهم للبيئة المدرسية مما يليق بالمنظومة التعليمية العامة.

وأكثر ما يعيق المتعلمين الواجبات المدرسية التي تأتي في بعض الأحيان مكلفة في طاقته حتى تصل للمرحلة عدم قبول التكليفات المدرسية وهذا ما جعل الأكاديميين يبحثون في هذه المسألة والتي جمعت على أن هناك حد معين يستطيع المتعلم اجتيازها وذات أثر إيجابي له وأن تتكوّن لديهم علاقة تكافئية في جانبي التكليف والتنفيذ من قِبَل المتعلم وهذا ينعكس ارتدادياً على أداء المعلم.

ختاماً…
وفي الختام ينبغي على المجتمع أن يكون أكثر وعيا تجاه هذه القضايا لأنها أساس في تنمية الإنسان الصالح الواعي .. الذي لا غنى عنه في رفعة الوطن.

لا يفوتك