مسقط – صحيفة رصد
نشر صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة مقالًا في صحيفة “الخليج” الإماراتية” حول تاريخ عٌمان .. وإليكم نص المقال:
ما معنى كلمة حقيقة؟
الحقيقة: ما يجب على الإنسان أن يحميه، وحقيقة تاريخ عُمان، واجب عليّ قمت بتحقيقه بكل أمانة.
الحقيقة: ضد المجاز، وحقيقة الشيء: منتهاه وأصله، والمجاز: هو اللفظ المنقول من معناه إلى معنى يلابسه، لنعود إلى حقيقة الشيء.
نحو الألف وخمسمائة سنة قبل الميلاد، عاش سكان عُمان تغيرات مثيرة، فقد دخل إلى أرض عُمان أعداد كثيرة من البشر، قادمين من الأحقاف الواقعة بين المهرة وصلالة، والتي كانت تبعد مسيرة نصف يوم عن صلالة. إنهم قوم عاد، وهم من حمير، الشعب القديم في بلاد اليمن، حيث كانت لهم دولة قوية عاصمتها ظفار.
ذكر الله تعالى الأحقاف في سورة الأحقاف، حيث قال تعالى:
* وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22) قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (23) فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا ۚ بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَىٰ إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ ۚ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25) وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (26) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُم مِّنَ الْقُرَىٰ وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (27) فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ ۚ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (28) (سورة الأحقاف، الآيات 21-28).
﴿وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ﴾: هو النبي هود عليه السلام.
﴿ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُربَانًا ءَالِهَةَۢ﴾: وإله قوم عاد هو «عشتروت» أو عشتار، وهو إله الحب والخصب والجمال، عند الحميريين.
ذكر الله تعالى في سورة الأعراف المجادلة بين النبي هود عليه السلام وقوم عاد، حيث قال سبحانه وتعالى:
* وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُم هُودٗاۚ قَالَ يَقَومِ ٱعبُدُواْ ٱللهَ مَا لَكُم مِّن إِلَهٍ غَيرهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ(65) قَالَ ٱلمَلَأ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَومِهِ إِنَّا لَنَرَىٰكَ فِي سَفَاهَة وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ ٱلكذِبينَ (66) قَالَ يٰقَومِ لَيسَ بِي سَفَاهَة وَلكِنِّي رَسُول مِّن رَّبِّ ٱلعٰلَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُم رِسَٰلَتِٰ رَبِّي وَأَنَا لَكُم نَاصِحٌ أَمِينٌ (68) أَوَعَجِبتُم أَن جَآءَكُم ذِكر مِّن رَّبِّكُم عَلَىٰ رَجُل مِّنكُم لِيُنذِرَكُم وَٱذكُرُوٓاْ إِذ جَعَلَكُم خُلَفَآءَ مِنۢ بَعدِ قَومِ نُوح وَزادَكُم فِي ٱلخَلقِ بَصطَة فَٱذكُرُوٓاْ ءَالَآءَ ٱللهِ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ (69) قَالُوٓاْ أَجِئتَنَا لِنَعبُدَ ٱللّه وَحدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعبُدُ ءَابَآؤُنَا فَأتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصٰدِقِينَ (70) قَالَ قَد وَقَعَ عَلَيكُم مِّن رَّبِّكُم رِجس وَغَضَبٌ أَتُجَدِلُونَنِي فِيٓ أَسمَاءٖ سَمَّيتُمُوهَآ أَنتُم وَءَابَآؤُكم مَّا نَزَّلَ ٱلله بِهَا مِن سُلطَنۚ فَٱنتَظِرُوٓا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلمُنتَظِرِينَ (71) فَأَنجَينَهُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ بِرَحمَة مِّنَّا وَقَطَعنَا دَابِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بَِٔايٰتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤمِنِينَ (72) (سورة الأعراف، الآيات 65-72).
في الآيات السابقة يذكر الله تعالى أنه أنجى هوداً والذين معه برحمة منه، وقطع الله تعالى دابر الذين كذبوا بآيات الله ولم يكونوا مؤمنين، أي استأصلهم من الأحقاف.
في سورة الحاقة جاء ذكر قوم عاد، والهلاك الذي أصابهم، قال الله تعالى:
* وَأَمَّا عَاد فَأُهلِكُواْ بِرِيح صَرصَرٍ عَاتِيَة (6) سَخَّرَهَا عَلَيهِم سَبعَ لَيَال وَثَمَنِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومٗا فَتَرَى ٱلقَومَ فِيهَا صَرعَىٰ كَأَنَّهُم أَعجَازُ نَخلٍ خَاوِيَةٖ (7) فَهَل تَرَىٰ لَهُم مِّنۢ بَاقِيَة (8) (سورة الحاقة، الآيات 6-8).فرّ قوم عاد خوفاً من تلك الرياح العاتية، والتي كانت تهلك كل من مرت به، حيث كانت تهب من الناحية الجنوبية للأحقاف، أيْ من بحر العرب، فكان اتجاه سَير النبي هود عليه السلام، ومن معه من المؤمنين إلى الشمال الشرقي، ناحية ظفار، فتبعهم الفارون من تلك الرياح، من الساحل ومناطق البدو وانتشروا في أرض عُمان.
توفي النبي هود عليه السلام، وقبره في جبال ظفار في صلالة، حينها انتشر قوم عاد من المؤمنين وغير المؤمنين في أرض عُمان، ودمروا كل شيء بتسلطهم، حيث انتشروا في جميع مناطق عُمان، من ذلك يتبين أن سكان عُمان هم قوم عاد الحميريين وليسوا فُرساً، كما ذكره سلمة بن مسلم العوتبي في مخطوطة كتاب الأنساب.
بدراسة العصر الحديدي (1300 – 700 سنة قبل الميلاد) وخاصة في أواخره، سنة 700 قبل الميلاد، يتبيّن أن هناك سلطة مسيطرة بنزعة نحو المساواة القانونية والأهمية الدينية، ولم يتضح لنا من كان المسيطر على تلك السلطة، حتى برز لنا أول ملك لعمان، وهو:
«باد» ملك أرض قاد، الذي سكن في مدينة إزكي، وبالبحث عن كلمة «باد» في معاجم اللغة العربية، عثرت على تفسير كلمة «باد»، في معجم متن اللغة لأحمد رضا، الجزء الأول الصفحة 257، فقد ذكر أن معنى «باد» هو: السلطان ذو العدوان، وذو البدوان، أيْ لا يزال يبدو له رأي جديد، وقاد هو الجبل الطويل، وذلك ذكر للجبل الأخضر.
كانت العلاقات بين قاد والإمبراطورية الآشورية قوية، وكان أحد أشهر الملوك الآشوريين هو «آشور بانيبال» (668 – 627 سنة قبل الميلاد)، وقد وضع نقشاً في معبد عشتار في نينوى، يعود تاريخه إلى سنة 640 قبل الميلاد – يعرف باسم (بلاطة عشتار) – حيث تلقت التماثيل/ الجزية من «باد»، ملك قاد، والتي ربما كانت عاصمتها تقع في إزكي، وكان النقش كالتالي:
«… باد، ملك أرض قاد، الذي سكن في مدينة إزكي، التي لم يطأ أي ملك سابق حدود آشور: بأمر آشور وننليل مبعوثهما إلى السلام والنوايا الحسنة مع تكريمهم الغني، سافروا في رحلة مدتها ستة أشهر، وجاؤوا إلي».
من النص السالف الذكر، يتبيّن لنا أن الملك آشور في نينوى بين النهرين، هو من أبناء عم الملك «باد» في قاد (عُمان) فهما من عاد، حيث كانت مجموعة من الإرميين قوم عاد، قد فرّت إلى ما بين النهرين حاملة صنمها عشتار، عند الاجتياح الإغريقي على قوم عاد الإرميين، الذين جاؤوا من الأحقاف.
بعد تلك الفترة بعدة سنوات، كان الملك على عُمان يدعى «ماكان»، ويقال له: ملك قاد، وقد بحثت عن الاسم، فوجدته في كتاب لغة نامة، والذي يتألف من خمسين جزءاً باللغة الفارسية لمؤلفه علي أكبر دهخدا، وفي الجزء 43 وبالصفحة 76 وجدت كلمة «ماكان»، فكانت أنها اسم لملك، وفي القواميس العربية، ماكِن أو مَكّان، الأول من مكَن بالتخفيف، والثاني من مكَّن بالتشديد، وهو السلطان ذو القدرة، و«ماكان» وهو سلطان الجبل الأخضر في مدينة إزكي.
في عهد الملك «ماكان»، قام «قورش» مؤسس الإمبراطورية الأخمينية في بلاد فارس، 640 – 600 سنة قبل الميلاد، وأخذ يستولي على المناطق من حول بلاد فارس.
قام الملك «قورش» بمحاولة احتلال عُمان، فاستنجد الملك «ماكان» بالملك الآشوري، «آشور بانيبال»، والذي شنّ هجوماً على فارس، وقهر الأخمينيين، واحتل «شوش» بخوزستان (عربستان)، حتى وصل إلى «ديزفول» «Dezful»، عند الجبال، وهي البوابة إلى عمق فارس، وأخذ يهدد دولة الأخمينيين، مما اضطر الملك «قورش» إلى التوقف عن تهديد عُمان.
في ضوء ما ورد في نقوش فارسية (الفارسي القديم)، أن موقع «ماكان» في النقش، جاء قبل قاد، فهي ليست مرادفة كما ذكر بعض المؤرخين من أن «ماكان» تعني عُمان، وكذلك قاد فهي مرادفة، وذلك غير صحيح، والصحيح ملك عُمان.
نعود إلى نصوص «آشور بانيبال»، لتذكر أن الحاكم «باد» كان مقيماً في عاصمته إزكي في بلاد قاد، ومن المؤكد تقريباً أنها نفسها المدينة العمانية إزكي الحالية في شمال غرب مسقط، والتي بقيت محتفظة باسمها القديم لأكثر من 2600 سنة، ويتوافق هذا مع الكلام المتداول اليوم عن إزكي الحديثة، باعتبارها أقدم مدينة في السلطنة، ومن غير المعلوم حتى الآن ما إذا كانت بقايا إزكي القديمة موجودة تحت مباني المدينة الحديثة، أو تحت الحارة القديمة المعروفة باسم حارة اليمن، أو في مكان قريب منها.
المصدر: صحيفة الخليج